أطفال خلف القضبان

تحقيق حول الأطفال المرافقين لأمهاتهم بالسجون

تحقيق للصحفية / رباب اليفرني 

ولد محمد خلف القضبان وقضى طفولته في السجن الذي كبر ونشأ به حتى وصل عمر الثلاث سنوات، حُرم فيها من براءة الطفولة، ومن المؤكد بأن ذاكرة محمد خزنت السجن وقضبانه الحديدية الصماء.

القدر المحتوم

حكاية محمد بدأت من حكاية والدته سهام (اسم مستعار) التي دخلت السجن في يوليو 2020 وهي حامل به في شهرها التاسع، بمقر سجن قوة الردع، مكثت سهام في السجن حتى ديسمبر من نفس العام بحسب تصريحها، حينها كان محمد قد بلغ ستة أشهر، نُقلت بعدها لمؤسسة الإصلاح والتأهيل بمنطقة “السبعة” بالعاصمة.

وأشارت سهام بأن سبب القبض عليها وسجنها اتهامها في ثلاث قضايا لم تفصح عنها، وقد أمر المحامي العام بمدينة الخمس (150 كيلومتر شرقي العاصمة طرابلس) بإحالتها لمجمع المحاكم بمنطقة باب بن غشير وسط العاصمة للنظر في القضايا المرفوعة ضدها.

تحصلت سهام على البراءة في قضيتين من أصل ثلاث، لتبقى في السجن حتى يتم البتْ في قضيتها الثالثة، كل ما تتمناه سهام هو اسراع النظر في قضاياها، لإحالتها لجهات الاختصاص لتعرف مصيرها وما تخبئه الأيام لها.

سهام ليست الأم الوحيدة التي تقضي أيامها مع طفلها بالسجن، وهناك أخريات يعانين ما تعانيه سهام في ظل غياب الجهات المختصة للنظر في حقوقهن، وحقوق ابنائهن المصاحبين لهن.

تحديات الوصول إلى أوروبا

أما هدى فلها حكاية أخرى، في البداية لم تكن لديها الرغبة للحديث معي فلقد كانت منطوية ومنعزلة على نفسها، ولم ترغب حتى في حمل صغيرها الذي لم يتجاوز الأربعين يومًا، بالرغم من مرضها الشديد والإرهاق والتعب الظاهر ، بالإضافة إلى بنيتها الضعيفة ظهرت عليها علامات الاكتئاب، وإرهاق ما بعد الولادة.

هدى صومالية الجنسية لا يتجاوز عمرها 17 عامًا، جاءت إلى ليبيا قبل سنة هربًا من الفقر وصعوبة العيش في بلادها.

قالت: وصلت إلى بلدة الكفرة في الجنوب الليبي، وتزوجت هناك من أحد الشباب المهاجرين معي زواجًا شرعيًا قبل عام من الآن، ليخفف عني عناء السفر وكآبة الهجرة.

وتابعت: وصلت العاصمة الليبية طرابلس قبل أربعة أشهر، وذلك من أجل العمل والعيش الكريم الذي أبحث عنه، وبقيت مع شريكي في منزل مشترك مع عائلات إفريقية أخرى تنوي الهجرة إلى أوروبا، بقي معي زوجي شهرًا واحدًا ثم هاجر عبر البحر إلى الشمال .

وتقول لم أتمكن من السفر مع زوجي لأني كنت حاملاً بابننا الأول، وتم القبض علي في المستشفى أثناء ولادتي لعدم وجود عقد زواج رسمي، أو أوراق ثبوتية لزوجي، فلقد أخذ زوجي كل الأوراق، ومن هنا عانت هدى مرارة السجن، وهي في فترة النفاس، ولم تقو حتى على الاعتناء بجنينها.

انقطعت كل الاتصالات بينها وبين زوجها منذ أكثر من شهر، مؤكدة اثناء حديثها على عدم رغبتها في العودة إلى الصومال.

دخلت السجن في ديسمبر الماضي رفقة طفلها الذي يعاني من حالة صحية حرجة، وكانت إدارة السجن قد أبلغت النيابة بأن حالة الأم لا تسمح لها بتحمل مسؤولية طفلها، مع غياب التمريض الخاص بالأطفال حديثي الولادة المرافقين لأمهاتهم، مطالبين بضرورة تسليم الطفل لدار رعاية الطفل في وسط العاصمة، إلى حين النظر في وضع أمه، لتنتظر هدى ومولودها الأيام القادمة.

أصوات مكبلة

في هذا الإطار أكد حسام الدين عبد الرحمن بحيري مسؤول ومكلف بملف حماية الطفل باللجنة العليا للطفولة بأن اللجنة أنشأت عن طريق القانون رقم (5) لسنة 1997 ونصت المادة (12) من القانون على إنشاء اللجنة العليا للطفولة لمتابعة الجهات التي تتعامل مع الأطفال، وهناك جهات عديدة منها وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة التعليم، ورغبة من المشرع ورئاسة الوزراء بمتابعة هذه الجهات بما يخص ملف الطفولة، وتم انشاء اللجنة من 2018 وباشرت أعمالها إلى الآن، وتعمل اللجنة على عدة ملفات منها ملف حماية الطفولة.

وإذا تحدثنا عن الأطفال المرافقين لأمهاتهم النزيلات بالسجون، أو الأطفال الذين ولدوا بالسجن بسبب محاكمة الأم على جرم معين فلقد جاء قانون رقم (5) الخاص بالسجون، لينص على بقاء الطفل مع أمه لعمر العامين فقط، ثم يتم الفصل بينهما ، ثم ينقل الطفل إلى دار الرعاية بعد سن العامين.

تابع بحيري: في الوقت الحالي الوضع أصبح صعبا جدًا، وهناك أطفال متواجدين في السجون لسن الخامسة، لأنهم لا يريدون الانتقال لدور الأطفال، أو لأسباب أخرى، وفي جميع الأحول يجب أن يتم نقله عند بلوغه العامين وذلك من أجل حمايته.

ولفت إلى أن اللجنة تابعت العديد من القضايا من هذا النوع، وتم رصد ما يقارب من 50 إلى 70 من الأطفال المرافقين لوالداتهم، وذلك من أجل الرعاية الصحية للوقوف على حالتهم الصحية ومتابعتها.

وأشار بأن إدارة السجن تقوم بعملها حسب إمكانياتها، وفي الحقيقة إمكانيات السجون ضعيفة جدًا هذا بالنسبة للوضع بشكل عام، مشددًا بأنه ومن المفترض أن يتم تخصيص مكان للأطفال، وكل مطالباتنا والمحاولات لتخصيص مكان لهم، تظل جهودا خجولة لا ترتقي لحماية الأطفال داخل المؤسسة.

خاتمًا حديثه بضرورة انتباه وزارة العدل لهذا الملف، ووضع حد للانتهاكات التي تطال الأطفال، وأول انتهاك هو مخالفة القانون، وبقاء الطفل مع أمه السجينة لسن الخامسة، أو السادسة.

للسؤال عن حال سهام والسجينات المصاحبات لأطفالهن توجهنا لأحد المسؤولين بسجن الجديدة، الذي حدثنا دون الإفصاح عن اسمه، حول سجن النساء بمؤسسة الإصلاح والتأهيل الجديدة (السبعة) أنه، قائلاً: يسع تقريبًا 60 نزيلة، وعدد قليل من الأطفال المرافقين لأماتهم.

وتابع المصدر عندما تدخل النزيلة للسجن يتم عرض اللوائح التي ستتبعها لتعلم ما مالها وما عليها، حتى لا تعرض نفسها للعقوبات التأديبية داخل السجن.

أوجه القصور

وتابع حديثه: أن الجمعيات الخيرية ووزارة العدل هي من تقوم بتوفير بعض الاحتياجات مع غياب دور وزارة الشؤون الاجتماعية التي من المفترض هي من تقوم بتوفير الاحتياجات الخاصة بالأطفال، لأن هذا الأمر هو من صلب اختصاصاتها، ولكنها لم توفر شيئًا.كما أضاف أن هناك نقصًا كبيرًا في عدد الاخصائيات بالجانب النفسي، فمن المفترض أن يكون هناك اخصائية لكل خمس نزيلات، وأنه من غير المعقول أن يسع السجن لستين نزيلة به اخصائية اجتماعية واحدة، وأخصائيتان بالجانب النفسي فقط، وقد تمت المطالبة بالأعداد المطلوبة مرارًا ولكن دون جدوى.ومن جانبها أكدت الرائد “حنان فرحات” التابعة للبيت الاجتماعي بسجن الأحداث أنه لا يتم توفير الاحتياجات بشكل مستمر، وهذا يسبب نوعًا من أنواع الربكة، ودون ذكر أسماء هناك نزيلة لديها طفل حديث الولادة كن بحاجة للدخول للمستشفى، وإجراء عمليات جراحية، ومثل هذه الحالات تتطلب احتياجات خاصة، ولا يمكن توفيرها بسهولة.وتابعت: توجد لدينا نزيلة لا تحمل الجنسية الليبية وتسأل عن دور السفارات وذلك من أجل الاهتمام برعاياها باعتبار أن السفارة مهمة لهذا المواطن المغترب، الذي لا يحمل أي أوراق ثبوتية، ويجب أن تقف معه سفارة بلاده لحمايته، خاصة في حالة وجود طفل مع الأم، وتضيف الرائد حنا: نحن نعمل ونسعى لحمايتهن، ولكن أيضًا للسفارة دور هام جدًا لا يمكن الاستغناء عنه.وذكرت أن البيت الاجتماعي هو ذاته سجن الأحداث، ويتم فيه سجن الإناث تحت السن القانونية، وإذا تواجدت أنثى في قضية تحت سن 18 يتم إيداعها في هذا السجن.

وفي ذات السياق أكد مصدر آخر من وزارة العدل أن النزيلات بالسجن بحاجة لدورات للتنمية الاجتماعية، والإدماج المجتمعي، وأن بعض الأطفال المرافقين لوالداتهم داخل السجن لم يتحصلوا حتى الآن على التعليم، فالأم هي من تقوم بعملية تعليم طفلها بنفسها، كما يوجد نقص لديهم في مستلزمات التعليم من كتب وأقلام وغيرها، وقد أشار المصدر إلى أكثر من 50 طفلًا وأكثر من 15 أم تابعين لتنظيم الدولة بالسجون من جنسيات متعددة (أثيوبيا، العراق، مصر، السنغال) وتتراوح أعمار الأطفال من 4 إلى 15 عامًا مع غياب الدعم.

ومن ناحيته قال “محمود عبد الله” رئيس قسم المؤسسات بصندوق التضامن الاجتماعي:  عندما تسجن الأم تُخير بين بقاء الطفل معها أو تسليمه لدار رعاية الطفل، ويتم هذا الإجراء في حال كان عمره من يوم إلى 12 عامًا، وإذا لم تكن لديها رغبة في تسليم الطفل، يبقى معها داخل السجن دون أي ممانعة، مضيفًا بأنه لا يمكن إجبار الأم على تسليم طفلها.

وتابع كنا على تواصل في الفترة السابقة مع إدارة سجن النساء، وحاولنا توفير بعض الاحتياجات، ولكن في الآونة الاخيرة ما زلنا قيد التواصل ولم نقدم شيئًا، وأشار بأن ‏ سبب الانقطاع كان نتيجة الظروف التي مرت بها الدولة، وجائحة كورونا في الفترة السابقة، ونحن نعلم ونعرف جيدًا بأن من الواجب علينا أن نقوم بتوفير احتياجاتهم.

الفراق الاجباري

عندما يتجاوز الطفل سن السادسة يتم أخذه من أمه ونقله للمؤسسة الاجتماعية، لأنه لم يعد هناك إمكانية لبقائه مع أمه داخل السجن، ولكن في حالة ان لوائح السجن تسمح له بالبقاء، يبقى معها، ولكن في النهاية لا توجد أي استثناءات.

 بارقة أمل خلف القضبان

وفي هذا الإطار قالت فوزية الفقي رئيس جمعية الشهيد أحمد الكريكشي للأعمال الخيرية، التي تقوم بالأعمال الخيرية داخل مؤسسة الإصلاح والتأهيل بقسم النساء، إن الجمعية متعاونة مع المؤسسة في تقديم الدعم المعنوي، والمادي، والنفسي، والاجتماعي، وتقديم الدعم النفسي ليس بالضرورة أن يكون عن طريق محاضرات يتم الحديث فيها عن الأشياء الروتينية الأخرى، ولكن يمكن أن نقدم لهن الدعم عن طريق التشغيل داخل مؤسسة الإصلاح والتأهيل بقسم النساء.

تابعت فوزية قمنا بتأسيس قسم نشاط للنزيلات، وكان يحوي مشغل للخياطة ومطبخ وقسم خاص بالمعدات الرياضية، مؤكده بأن هناك نزيلات لم يرغبن في ممارسة أي نوع من الأنشطة التي قدمناها لهن، وكنا نحاول استقطابهن بالحديث والجلوس معا أثناء النشاط، ولكن دون جدوى.

وأكدت بأن ‏هناك أنشطة أخرى كمحو الأمية نتيجة لوجود عدد منهن قادر على الكتابة والقراءة، كما قدمنا دورات في مجال الحاسوب والطبخ والخياطة.

وأشارت بأن هناك أطفال مرافقين لأمهاتهم، ولكن لم نتعامل معهم بشكل مباشر، لأن السجينات الأمهات لم يكن يخرجن كثيرًا، وإذا كانت تريد الخروج والعمل داخل السجن، ستكون قلقة على ابنها، وذلك لعدم وجود مربيات داخل السجن لمساعدة الأمهات في رعاية أبنائهم.

مؤكده بأن هذه الفئة تحتاج لنوع من الدعم، فهي تعاني ضغطا كبيرا جدًا في ظل وجود طفل صغير برفقتها داخل السجن.

قدمت فوزية ومن معها خطة عمل متضمنة أنشطة جديدة خاصة لهذه الفئة من النساء والأطفال، في انتظار الموافقة عليها من قبل مسؤولي مؤسسة الإصلاح والتأهيل “السجن” فهل ستحظى هذه الفئة بأوضاع معيشية أفضل؟

تم إنجاز هذه المادة الصحيفة بالتعاون مع صحافيون من أجل حقوق الانسان “JHR” والصندوق الكندي للمبادرات المحلية، والمؤسسة الليبية للصحافة الاستقصائية “LIFIJ”.

 

 

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى