هل كانت لدينا صحافة استقصائية ؟!

بقلم جلال عثمان

في العام 1995 تقريبًا اقترحت أنا وزميلي عبد الله الوافي على رئيس تحرير صحيفة الجماهيرية تأسيس قسم التحقيقات، وقد كان يرأس تحرير الصحيفة آنذاك الأستاذ حامد القذافي، فيما يتولى مهام سكرتير التحرير الأستاذ بسام عيشة .. ومن ضمن التحقيقات التي أعدتها في تلك الفترة، تحقيق عن ثلاث جرائم مالية في مكتب شركة البريد بمدينة الزاوية.

كان العنوان “أرنب بريد جودائم وحلوف بريد الزاوية” وهو مستلهم من المثل الشعبي الليبي “أرنب تنوض حلوف” .. حيث كانت فرضية التحقيق ترتكز في البداية حول خروقات مالية في مكتب بريد جودائم، وبعد الشروع في البحث، اكتشفت أن الخروقات الأكبر كانت في المقر الرئيس في مدينة الزاوية، وهو ما يسمى في علم الاستقصاء بالحد الأدنى، والحد الأقصى من الاستقصاء.

ورغم عملي على التحقيق لأكثر من شهر إلا أن رئيس التحرير رفض نشره، وأحاله لمنسق التحرير، الذي طلب بدوره الوثائق التي تدعم التحقيق، وكان من الصعوبة الحصول على جميع الوثائق التي تؤيد كل الاتهامات الواردة في التحقيق، فلم ينشر رغم ما تناهى إلى عقيدتي من أن كل حرف كتب فيه هو صحيح 100% ولا يخالجه اي شك.

ولكن اليوم أشعر بأن الدرس الذي تلقيته من منسق التحرير الأستاذ بسام عيشة، قد ساهم في تكويني الصحفي، ودفعني لعدم الاعتماد على شهادات الشهود، وعدم الأخذ بالاتهامات التي لا تدعمها الوثائق.

ربما لم يكن لدينا خلال السنوات الماضية صحافة استقصائية بالمعنى الحقيقي للمصطلح، ولكن بالمؤكد كانت لدينا تقاليد صحفية، ومدونة سلوك غير مكتوبة، كانت بمثابة المرجع لعملنا الصحفي.

في هذا اليوم أبعث بفائق تقديري لرئيس التحرير الأسبق لصحيفة الجماهيرية، السيد “حامد القذافي” الذي منحني وزميلي “عبد الله الوافي” البراح الكامل لانتاح تحقيقات حول الكثير من المواضيع الحساسة آنذاك، وللأستاذ بسام عيشة الذي علمني ألا اعتمد فقط على شهادة الشهود، وأن صحافة التأني، تعني التدقيق والاعتماد على المعلومات، لا التصريحات والعواطف.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى